الخميس، يناير 05، 2012

عن الهند والحضارة والقيم الغربية ــ ابن الوراق

هناك قصة حول المهاتما غاندي منتشرة منذ سنوات. فبعد أن أخذ لجولة في بريطانيا العظمى، سُئل في البرلمان عن رأيه في الحضارة البريطانية. وأجاب غاندي: ربما تكون فكرة جيدة. يصعب تتبع مصدر هذه القصة وقد تكون مختلقة. ومع ذلك، فهذا الرد—الذي يبدي دعابة قليلة وحكمة أقل—يلخص ببلاغةٍ الجحود، النفاق، التعجرف، وعدم الفهم لدى غاندي.

كانت فلسفة اللاعنف لدى غاندي فعالة مع البريطانيين تحديدا لأنهم كانوا غير ميالين لاستخدام العنف المفرط ضد مواطنين عزل. ولهذا فقد تصرفوا بشكل متحضر، وخرجوا. هل كانت تكتيكات غاندي لتنفع مع النازيين؟ وبالإضافة، فإن الانسحاب البريطاني من الهند أعقبه العنف، حيث ذبح المسلمون الهندوس وبالعكس. نيراد تشودري، وهو مثقف هندي، أنحى باللوم دوما على غاندي. "عندي أن كل مطالبات غاندي [للحكومة البريطانية] لم تبدو متطرفة فقط، بل أيضا قاسية ولاعقلانية،" يكتب تشودري. "لقد بدا لي أن إيديولوجيته بكاملها كان يدفعها قرار بهجران الحياة المتحضرة والعودة إلى حياة بدائية." (1)

ماذا عن حضارتك الهندية ذاتها، يا سيد غاندي؟ لقد منع البريطانيون مظهرا واحد لها، وهو عادة الساتي، حيث كانت الأرملة الهندوسية تجبر على حرق نفسها على كومة زوجها الجنائزية. وكذلك منع البرتغاليون والفرنسيون لاحقا والهولنديون هذه الممارسة في مستعمراتهم الهندية. تعبير مخزي آخر عن الحضارة الهندية، وهو نظام الطبقات المشين، لا يزال فعالا حتى اليوم، مانعا الملايين من حقوقهم الإنسانية، حتى بعد خمسة وستين عاما من تحريمه قانونيا.

ماذا عن عنصريتك أنت، سيد غاندي؟ في انتقاد غني بالتوثيق، يشير ج.ب. سينغ إلى أنه خلال حروب الزولو في جنوب أفريقيا، كان المهاتما يحض الهنود على إظهار الحمية الوطنية بقتل السود. "غاندي متشوق جدا ليرى الهنود في حرب ضد السود،" يكتب سينغ. "فبعد كل شيء، يخبرهم بصراحة أنهم أيضا توسعيون ضد السود، ولهذا فوقوفهم كتفا لكتف مع رفاق التوسع البيض هو تقدم طبيعي." (2)

وإلى ماذا يسعنا أن ننسب الإخفاقات الفاضحة في الهند اليوم؟ ففي 2007، أعلن البنك الدولي أن 80 بالمئة من سكان الهند الـ1,1 ملياراً يعيشون على أقل من دولارين يوميا—وهذا يعني أن أكثر من ثلث فقراء العالم يعيشون في الهند. (3) وبعد عامين، قدّرت منظمة الصحة العالمية أن "حوالي 49 بالمئة من أطفال العالم ناقصي الوزن، 34 بالمئة من أطفال العالم المتقزمين، و 46 بالمئة من أطفال العالم المهزولين" يعيشون في الهند، رغم التقدم المثير للإعجاب في الاقتصاد الإجمالي. (4) وجد مؤشر الجوع العالمي "أن معدلات ’خطرة‘ من الجوع تستمر في الولايات الهندية التي أظهرت معدلات تحسد عليها من النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، بما فيها مهاراشترا وغوجرات." (5) تملك الهند حاليا أكبر تعداد سكاني للأميين في أي أمة على الأرض. والعنصرية وإدمان المخدرات منتشرة وفي تنامي. (6) يمكن للمرء حتى أن يقترح أن الحضارة الهندية قد تكون فكرة جيدة.

إن نبذ غاندي للبريطانيين بازدراء تفنده وقائع على الجانبين—من المستعمـِرين والمستعمـَرين. فعند مغادرتها، تركت بريطانيا الهند وفيها حكومة برلمانية منتخبة تحيا حتى يومنا هذا، وهي دلالة أكيدة على أن الديمقراطية قد زرعت بعمق في الفكر السياسي الهندي. والدستور الذي صاغه الهنود تضمن لائحة حقوق مشتقة من الدستور الأمريكي، مستخدما حتى بعض المصطلحات المطابقة—وهو ميراث بريطاني غير مباشر. تضمن الإرث البريطاني حكم القانون: وفي الحقيقة، أن كامل النظام القانوني الذي قدموه على مر السنين بقي دون تغيير. لقد بني على يد اللورد ماكولاي، الذي موهبته "وهبت الحياة للهند الحديثة كما نعرفها،" وفقا للمؤرخ الهندي ك.م. پانّيكار. (7) لقد ورثت الهند أيضا آلية إدارية على الطراز البريطاني، وهي الخدمة المدنية الهندية طاهرة السمعة، لتتحمل أعباء الحكومة في بلد كبير يحوي أديانا ولغات شتى.

ترك البريطانيون الهند بأطباء، معلمين، مهندسين، وحرفيين حسني التعليم، وبنية تحتية من سكك الحديد، الطرق، الجسور، ونظم الري، إضافة إلى المعمارية الڤكتورية المتميزة. واللغة الإنجليزية تمكّن هنديا من الجنوب لغته الأم هي التاميل من التخاطب مع آخر من دلهي يتحدث الهندية أو البنجابية. إن إجادة الإنجليزية تسمح للهند بأخذ مكانها في الاقتصاد العالمي اليوم. كما كانت هناك هبات روحية أيضا: فالباحثون البريطانيون وغيرهم من الأوربيين أعادوا للهند تاريخها وثقافتها. بفضولهم الفكري العصي على الإشباع، كتب البريطانيون حول كل جانب من الحياة، الأدب، الفلسفة، الدين، اللغة، الفن والمعمارية في الهند. لا تزال دراساتهم موقرة ويتم تدريسها لكل تلميذ هندي. كانت الحضارة البريطانية حقا أكثر من فكرة جيدة، بل نعمة عظيمة.

كثير مما أصبح عظيم القيمة لدى الأمم الخارجة من عصر التوسع قد ورثه لهم البريطانيون والقوى الأوربية الأخرى. ولكن عديدا من الأكاديميين الغربيين، مع بعض مثقفي العالم الثالث، يدّعون أن الغرب قد أخذ من العالم أكثر مما ساهم فيه، وأن نجاحه المادي قد تحقق على حساب الآخرين. تتم مضايقة القادة الأوربيين من أجل الاعتذار دائما عن خطايا الغرب. ويعد "أوربي التوجه" أو عنصريا أن يؤكد على أن الغرب متفوق على الثقافات الأخرى؛ وبدلا منه، يتم تشجيعنا على ترديد أن الحضارة الأوربية منقوصة ثقافيا، فكريا، وروحيا. ولكننا نعرف أن هذه مجرد سفاسف.

يناقش هذا البحث أن الحضارة الغربية جيدة للعالم. سوف أخطط مثالا أخلاقيا بالاستناد على مجموعة خاصة من القيم من تاريخ الغرب—قيم صريحة ومضمرة معا في الديمقراطيات الليبرالية الغربية، متجسدة في ذلك المستند الرائع، دستور الولايات المتحدة الأميركية. يمكننا تتبع هذه المثل رجوعا إلى الكتاب المقدس والعتاقة الإغريقية. قد يتتبع فاشي أو شيوعي أيضا مبادئه هو رجوعا بالزمن إلى اليونان القديمة، ربما إلى إسبارطة بدلا من أثينة. ولكن انتصاري لفرع مختلف من ميراثنا الغربي ليس اعتباطيا ولا ذاتيا: فالترتيبات السياسية والاجتماعية في الغرب في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تدل على أننا وصلنا لحد معين من الاتفاق على المبادئ التي أنتجت الاستقرار والازدهار الذي تمتعنا به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

بين أهم هذه المبادئ تقف حرية الفعل Liberty والكرامة الفردية. ولكن حرياتنا تؤخذ أحيانا كمسلّمات؛ إذ ننسى أن علينا حمايتها لئلا تختفي دون انتباهنا حتى فوت الأوان. قد لا ندرك كم خطيرة هي التهديدات لقيمنا الأساسية، من قبل أعدائنا الأجانب والاسترضاء التعدد-ثقافي في الوطن. كما قال آندرو جاكسون، "إن الحذر الأبدي للشعب هو ثمن حرية الفعل." (8) في هذا الكتاب، أقترح طرقا لنكون حذرين وأقدم بعض الأدوات للدفاع عن الحضارة الغربية من الأخطار التي تواجهها.

المصدر:


Why the West is Best: A Muslim Apostate's Defense of Liberal Democracy, Ibn Warraq, 2011.

الهوامش:

(1) Nirad C. Chaudhuri, Thy Hand, Great Anarch! India 1921–1952 (New York: Addison-Wesley, 1987), p. 28.
(2) G. B. Singh, Gandhi: Behind the Mask of Divinity (Amherst, N.Y.: Prometheus Books, 2004), pp. 102–3.
(3) Alison Granito, “80% of Indians live on less than $2 a day: WB,” LiveMint.com and Wall Street Journal, October 16, 2007.
(4) “India has highest number of underweight children,” Indian Express, April 14, 2009.
(5) Somini Sengupta, “As Indian Growth Soars, Child Hunger Persists,” New York Times, March 13, 2009.
(6) India has an estimated 70 million drug addicts and the number is rising as the problem spreads to semi-urban and backward areas, according to official figures. A source from the Ministry of Social Justice and Empowerment said, “Drug and alcohol abuse is becoming an area of concern as this is increasing while traditional moorings, social taboos, emphasis on self-restraint and pervasive control and discipline of the joint family and community are eroding.” See “Over 70M drug addicts in India,” SiliconIndia, May 4, 2006.
(7) Geoffrey Moorhouse, India Britannica (London: Paladin, 1986), pp. 19, 196–97.
(8) Robert V. Remini, Andrew Jackson (New York: Harper Perennial, 1999), p. 217.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق