الأربعاء، يناير 04، 2012

حول نصوص توشيحية مسيحية قبل إسلامية في القرآن -- الحلقة 4

(ج) حول الشكل الأدبي للأنواع المختلفة من النص القرآني.

نصوص القرآن الإسلامية بقول ثاني وبقول واحد إنما صممت أصلا ثم تم تسليمها كنصوص نثرية. في نصوص القول الثاني، كنتيجة لإهمال أو إسقاط الإيقاعات الداخلية لما كان يوما توشيحة مسيحية، تكون نوع من الشعر أو الجملة بحيث استخدم له مصطلح "نثر قرآني مقفى" في الدراسات الغربية؛ والنصوص القرآنية اللاحقة، بقول واحد في الأصل، تستغل هذا النوع من النثر القرآني المقفى المبكر. فمنذ عهد رد-التفسير الإسلامي وإلغاء التراتيل التوشيحية، أصبحت كل آية نثر أو جملة قرآنية تقفى بكلمتها الأخيرة، رغم بُعد هذه الكلمة الآن عن الآيات والجمل النثرية الطويلة المحيطة بها، سابقة كانت أو لاحقة؛ فقد أصبحت الآيات طويلة ورتيبة بسبب إلغاء الإيقاع الداخلي. وفي أحدث النصوص بقول واحد هذه، أصبحت الجمل طويلة إلى درجة أنه، رغم انتهاء كل منها بكلمة مقفاة بعيدة، يصعب على المرء الحديثُ بعد الآن عن تأثير قافية.

وهذا يستبطن حقيقة أن النصوص المسماة إيقاعية من القرآن ليست شكلا أصيلا من الفن الشعري، بل تقنية شاذة تطورت من الإطاحة بالشعر التوشيحي المسيحي المتعقد، ومن ضرورة التعمية على التركيب التوشيحي للتراتيل المسيحية.

كنتيجة لهذا البحث، يعتقد لولينغ أن مساواة المصطلحين "نثر مقفى" و "سجع" التي تمت هنا وهناك في الدراسات الغربية، يجب التخلي عنها. فالسجع هو جملة طويلة، تلفظ بتشديد الحروف، يقولها عادة عراف وثني، وتتكون من أجزاء مقطعية قصيرة جدا، نهاياتها غير مرتبة كي تقفى وفقا لوزن شعري أو توشيحي، رغم أن السجع يتضمن الجناس وكذلك قوافي مبعثرة دون نظام.

في القرآن يظهر السجع فقط كنص إسلامي بقول واحد، كثيرا ما يوضع قبل أو بعد طبقة أساسية توشيحية مسيحية سابقا، قد طبع عليها تفسير إسلامي جديد. بما أن لولينغ ينسب النصوص بقول واحد إلى محمد، وأنها تتخذ عادة شكل سجع الكهان، فهو يرى في هذا توكيدا لأطروحته أن الحركة البد-إسلامية التي قادها النبي قد كانت واقعا حركة للابتعاد عن المسيحية الغربية، الهيلينية، التثليثية الإمبراطورية، تجاه الدين القبلي البد-سامي، المرموز له بأسلافه إبراهيم وإسماعيل. إن استخدام النبي للسجع قد يفسر لماذا عده معارضوه المكيون، الذين يعدهم لولينغ مسيحيين تثليثيين، كاهنا أو عرافا. تلك المقاطع القرآنية التي تحمل على الشعراء، مثل الشعراء: 224-226، سيتم نسبتها إلى الإنذار المسيحي القب-إسلامي ضد الوثنيين من أهل الكروم المقدسة والأماكن المقدسة، والذين تضمنوا، بكل تأكيد، العرافين الوثنيين.

(د) حول النواحي اللغوية للنصوص المختلفة في القرآن.

ينتج التحليل اللغوي لدى لولينغ لنصوص القرآن المختلفة نتيجة أنه رغم حقيقة أن القرآن الرسمي مكتوب بما يسمى عادة العربية الرفيعة أو الكلاسية، فهو في الواقع يتضمن أربع أنواع أو معايير من العربية، إلى حد إمكانية التمييز بينها، تتبع بعضها بعضا في الزمن، ويمكن تسميتها بالطبقات اللغوية.

(1) الطبقة اللغوية العربية الأقدم هي لغة التراتيل التوشيحية المسيحية سابقا. هذه العربية، وهي بحد ذاتها عامية مثقفة جدا، تختلف بشكل ملحوظ وفي عدة جوانب عن العربية الكلاسية الرفيعة. فأولا، نهايات الأسماء الإعرابية ونهايات الأفعال الزمنية إما مفقودة، أو تظهر اعتباطا لتملأ فراغات في إيقاع أبيات الموشح، ولتخدم كنهايات إيقاعية ثانوية؛ وكل ذلك دون عناية بالصواب النحوي لنهايات كهذه.

بالفعل، فكثيرا ما يبدو أن مؤلف الإيقاع يسيء استخدام النهايات النحوية الكلاسية عمدا ومزاحا كآلية شعرية ماهرة. وهذا مظهر للشعر الشعبي والعامي في لغات عدة، ويستبطن الشكل الأدبي للشعر التوشيحي القب-إسلامي. ولكن هذه اللغة العامية إنما المثقفة لا تختلف عن العربية الكلاسية الرفيعة في نحوها فحسب، بل أيضا معجميا في مفرداتها. فإضافة إلى الفرق المتوقع في اختيار ومعاني الكلمات بين العامية والكلاسية، فهناك الكثير من الكلمات السامية التي تدخلت في عربية وسط العربية المسيحية القب-إسلامية، كما يسميها لولينغ، من الثقافات المسيحية السامية المجاورة، لاسيما من معاصراتها: الآرامية الكتابية، السريانية، والأقل تكرارا: العبرية. هذه الكلمات، رغم تفرعها من نفس جذر الكلمة السامي، قد تبنت خلال التطور طويل الأمد لهذه اللغات السامية المختلفة معاني مختلفة قليلا، وأحيانا معاني مختلفة من الأصل حتى.

في الخلاصة: إن لغة التراتيل المسيحية في الطبقة الأساس في القرآن هي نحويا عامية عربية، وفوق ذلك، لغة عامية قد لقحت معجمها بوفرة الثقافات المسيحية السامية المجاورة. ولهذا فإنه من شديد الأهمية للبحث في هذه التراتيل المسيحية البد-قرآنية أن يستخدم نحو المسيحية العربية المبكرة، (6) وأن تستشار كل المعاجم المتوفرة لكل الثقافات المسيحية السامية المجاورة.

(2) وتأتي ثانيا لغة نصوص القرآن بقول ثاني.

هذه اللغة ليست فعلا لغة بالمعنى السليم للكلمة، ولكن تصورا انتقائيا وفريدا للكلام بالنسبة للموقف، كنتيجة لمحاولة فرض تفسير جديد على نص مبهم إنما مصيري. إن الطبيعة الخطاءة لهذا الكم كانت ولا تزال معذورة دون إقناع، من قبل علماء القرآن المسلمين المستقيمين وكذلك من عدة باحثي إسلام غربيين، كنتيجة من الحالة الوجدية للنبي خلال مروره بالوحي. ولكن تفسير كيف انتقل هذا الكلام الوجدي، في الحال، إلى نص الكتاب، لا يزال مفقودا.

(3) واللغة الثالثة هي لغة الإيضاحات والتفسيرات التحريرية المبكرة، المقحمة أو المضافة إلى النصوص بقول ثاني، من أجل ربط التفسير الجديد بطبقة الرسم الأساسية المستبطنة للنص. هذه اللغة، مع تفضيلها المريب للتراكيب الاسمية بدلا من الفعلية، تشكل تناقضا صارخا مع اللغة المثقفة لكل من التراتيل المسيحية المستبطنة، وكذلك العربية الكلاسية قديمة وحديثة. تكشف هذه اللغة الاسمية غالبا بفقدانها للبلاغة عن هويتها كلغة للأميين؛ وعلى الأقل كلغة دون تاريخ أدبي مستقل يمكن التعرف به.

(4) اللغة الرابعة هي لغة النصوص بقول واحد المتأخرة والأخيرة. وهذا يعني، تلك النصوص الإسلامية أصلا التي لا ترتبط مباشرة أو بتوسط مع طبقة الرسم الأساسية المسيحية سابقا، ولكن تظهر تعقيدات مترابطة أكبر من نصوص نثرية في العربية الكلاسية. هذه اللغة، في اصطلاحاتها وتعقيدها النحوي، وفي مظهرها المتمكن وبالتالي الأنيق، يجب تمييزها تفصيلا عن اللغة المعرفة في الفقرة السابقة. بناء على معلومات ينقلها التراث الإسلامي، يستنتج لولينغ أن هذه اللغة لا بد أن تنسب إلى النبي نفسه، أو ربما أحد كتابه المثقفين المسؤولين عن تسجيل إملاءاته.

مع أنه بالنسبة للغات 1 و 2 و 3، مما لا يتطرق إليه السؤال أنها لا تمثل العربية الكلاسية الرفيعة ولا يفترض بها أصلا أن تُقرأ كذلك، لا يزال سؤالا مفتوحا إن كانت اللغة الرابعة والأخيرة قد قصد بها أن تقرأ كذلك، متضمنة الحالات الإعرابية.

يفترض لولينغ النفي، ولكن رغم تشويه ورد-تفسير محرري القرآن بعد محمد لهذه اللغة الأخيرة فهي، من جديد، لغة خلقت خصيصا لأجل الموقف. هذه اللغة الرابعة والأخيرة ليست اهتمام لولينغ الأكبر، حيث أنه مهتم أكثر بالكشف عن التراتيل المسيحية العامية في الطبقة الأساسية.


المصدر:


الهوامش:

(6) First and foremost that of Joshua Blau, A Grammar of Christian Arabic (Louvain, 1966), based mainly on South Palestinian texts of the first millenium.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق