الاثنين، يناير 02، 2012

حول نصوص توشيحية مسيحية قبل إسلامية في القرآن -- الحلقة 2

أطروحات ومنهجيات:

توجه لولينغ إلى النص القرآني يرتكز على أربع أطروحات أساسية.

الأطروحة 1: حوالي ثلث النص القرآني الحالي، كما نقله الإسلام الرسمي، يحتوي كطبقة أساس خفية نصا مسيحيا قب-إسلامي في الأصل.

(أ) صعوبات في تفسير الخط العربي القديم.

كل نص عربي اليوم، وكذلك في القرون الأربعةعشر أو الخمسةعشر الماضية، يتكون من ثلاثة طبقات مختلفة. الأولى، هي شكل الحروف الأساسي، أو الرسم. الثانية، هي النقاط المميزة، ووظيفتها هي التفريق بين الأحرف المتشابهة في الرسم. والثالثة هي علامات الأصوات، الحركات، التي لا تُظهر في نص الصوامت الأساسي متمثلا بالرسم. النقطة الحاسمة هنا هي أنه في العصور القب-إسلامية وصدر الإسلام لم تكن النقاط المميزة توضع على الإطلاق في الكتابة اليومية، لأنها لم تكن معروفة آنذاك أو لم يتقبلها الجميع. في النص القرآني، على الأقل خلال القرن الأول من وجوده، كانت النقاط المميزة ممنوعة حتى، ظاهرا من منطلق إجلال تقي للنص المقدس. كل المخطوطات القرآنية الأقدم التي وصلت إلينا تظهر النص دون نقاط أو علامات، فضلا عن الحركات الإعرابية، التي قدمت في وقت لاحق. يعني هذا أن العثور على سلسلة الصوامت المقصودة أصلا، ومن هنا المعنى المقصود أصلا للنص، يصبح أشبه باليانصيب، وكثيرا ما تحدده تصورات المحرر حول ما يجب أن يعنيه النص. (5)

(ب) الفرق بين التراكيب الشعرية التوشيحية والنصوص النثرية في القرآن كمفتاح مهم جدا في رد-بناء القرآن القب-اسلامي المخفي في القرآن اليوم.

لقد لوحظ دوما أنه في القرآن المتناقل تحتوي بعض السور بكل وضوح على لازمات توشيحية، رغم أن ترداد هذه اللازمات غالبا ما لا يتبع وزنا شعريا صارما يسهل إدراكه. كانت هذه الحقيقة تعد من قبل بعض باحثي الإسلاميات دليلا على أن القرآن احتوى أصلا تراكيب توشيحية، ترتيبها الصارم قد دمر في التحرير اللاحق للنص. لقد حول الخطاب التوشيحي أو الترتيلي القديم إلى نثر وغيّر صياغة ومعاني المادة الأقدم. وهذا حصل كما يبدو حين تم تجميع وتلخيص النصوص لتخدم ككتاب مقدس للجماعة الإسلامية الوليدة.

وفقا للولينغ، فالكشف عن هذه النصوص التوشيحية القديمة يتطلب منهجية ثلاثية: (1) فيلولوجية (نحوية وصرفية)، (2) عروضية توشيحية، و (3) نقدية عقائدية؛ حيث تم إهمال المنهجين الأخيرين منذ الـ1930ـات، وهذا التوجه يمثل بداية جديدة. إن الضرب المميز من التراتيل الدينية التي يمكن فحصها في الطبقة الأساسية من القرآن ينتمي، شكلا وتاريخا، إلى سلسلة من التراثات الشعرية التوشيحية التي تعود إلى النماذج المصرية القديمة، العهد-قديمية، العربية القب-اسلامية القديمة، واليهودية القديمة، عبر التراتيل البيزنطية، القبطية، السريانية، العربية، والإثيوبية المتكافئة في العصور القب-اسلامية وصدر الإسلام، وصولا إلى الشعر التوشيحي القروسطي المتأخر والحديث.

يرى لولينغ مما لا يرقى إليه الشك أن التراتيل الإثيوبية المسيحية الغنية في أوائل القرن السادس تعود في الأساس إلى أصل مسيحي قبطي، أحيانا كلمة بكلمة عبر مئات الموشحات، التي احتفظ بتتابعها بأناقة. وتنتج أخطاء فهم متكررة للأصل القبطي في الترجمات الإثيوبية من أخطاء فهم اعتيادية لنص عربي ملتبس دون نقاط مميزة ولا حركات إعراب. عند لولينغ، يدل هذا على أن هذه النصوص التوشيحية الإثيوبية الضخمة من حوالي 500 ح.ش، المرتكزة على مصادر قبطية، لا بد أنها مرت في مرحلة وسط-عربية من تراتيل توشيحية مسيحية مماثلة في الضخامة، ولكن مفقودة اليوم. تتضمن هذه الأطروحة أن يعد أصيلا الشعر المقطّع لامرئ القيس المحسوب قب-إسلاميا، ورد-تشكيل شبه كامل للتراتيل المسيحية الأصلية على يد مجمعي ومحرري القرآن الأوائل، الذين غيروا الشعر إلى نثر وعدّلوا في معناه الأصلي.

(ج) لغات مختلفة في القرآن.

إن لغة النصوص التوشيحية المسيحية التي يجدها لولينغ تستبطن القرآن، هي دون نقاط مميزة أو علامات إعراب، وتشابه ما سماه "العربية القديمة،" دالة على تراث من التربية والمعرفة المثقفة. هذه العربية المسيحية غير الكلاسية، العامية، ومع ذلك الأدبية حملت مكافئات قواعدية عديدة للغة الثقافة المسيحية المبكرة؛ عربية معيارية-وسطا، تربوية، ومثقفة خدمت كلغة جامعة بين القبائل، أو كوينة koine، عبر الجزيرة العربية. يعد لولينغ الرخص والقواعد النحوية للشعر التوشيحي القروسطي، كما أوصله إلينا فقهاء العربية القروسطيون، منطبقة أيضا على التراتيل المسيحية القب-اسلامية في القرآن.

(د) تقنيات رد-التفسير الإسلامي للبد-قرآن المسيحي سابقا المخفي في الطبقة الأساسية من القرآن الرسمي المتناقل.

(1) القراءة المنحرفة للحركات، والتي تعني لاحقا الوضع المختلف لعلامات الإعراب، ولكن مع ذلك الاحتفاظ تماما بالطبقة الأساسية من الخط العربي.
(2) القراءة المنحرفة للصوامت، والتي تعني لاحقا الوضع المختلف للنقاط المميزة على حروف ملتبسة، ولكن رغم ذلك، بدافع التقوى، الاحتفاظ تماما بطبقة الرسم.
(3) التغيير أو التشويه البسيط للحروف في طبقة الرسم، وفي نفس الوقت قراءة حروف وحركات مغايرة، وبالتالي تغيير النقاط المميزة وعلامات الإعراب.
(4) حذف، إضافة أو استبدال حروف مفردة من نص الصوامت في الطبقة الأساسية (الرسم)، من كلمات مفردة، جمل أو مقاطع.
(5) استغلال هيئة كتابة مغايرة أو مختلفة (عامية أو رفيعة).
(6) استغلال التطابق بين معاني مختلفة للكلمة والكلمة أو الجذر المقابل في العبرية، الآرامية (السريانية)، والعربية العامية أو الرفيعة.
(7) إعطاء معنى منحرف لكلمات مفردة على أساس ترابطات غامضة، بحيث يكون على سلسلة من المعاني القرآنية المعجمية أن تصنف كمخترعة.
(8) إهمال القواعد النحوية وبالذات المتعلقة بالصياغة ضمن القراءة المنحرفة الأولية للتراتيل المسيحية سابقا.

هذه التقنية الأخيرة قادت بعض النحويين العرب، دفاعا عن الشذوذات اللغوية التي أنتجتها، لادعاء أن محتوى القرآن ليس محكوما بالنحو العربي، بل النحو العربي هو المحكوم بالقرآن. لهذا فالقرآن، جزئيا، لا يناقض قواعد العربية الدنيوية الشائعة فحسب، بل نفسه أيضا حين يقول: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ (الأمور) لَهُمْ" [إبراهيم: 4] و "وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" [النحل: 103]. وفقا لهذه النصوص، فإن التفسير البعيد للنحويين أن هذه الشذوذات النحوية للقرآن هي نتيجة للعبارات الوجدية للنبي هو أمر صعب الإقناع.


المصدر:

الهوامش:

(5) See also M. Cook, The Koran: A Very Short Introduction (Oxford, Oxford University Press, 2000), chap. 7, and Y. H. Safadi, Islamic Calligraphy (London: Thames & Hudson, 1978).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق