الاثنين، يناير 02، 2012

تعبير قمراني في القرآن -- مارك فيلونينكو

تعبير قمراني في القرآن

مارك فيلونينكو

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ..

السورة 85 (سورة البروج) كانت دوما محبطة للمترجمين والمفسرين. فالتفسير الكلي للنص يمليه في الواقع جواب السؤال: من هم "أصحاب الأخدود" الذين لعنهم النبي؟

اقترحت ثلاثة حلول رئيسة، سنلاحظها فيما يلي. الحل الأكثر اشتهارا يرى في السورة استنكارا لاضطهاد مسيحيي نجران على يد الملك اليهودي ذو نواس عام 523. كان الملك المضطهد قد حفر أخدودا ضخما وملأه بمادة محترقة. ولا بد أن عدد كبيرا من الشهداء قد ألقوا في الجمر.

باحثون آخرون، من جايجر ولوت وحتى بلاشير، إنما يرون في هذه السورة إشارة إلى حكاية الشباب الثلاثة في الفرن (دانيال 19:3-20).

يواجه هذان التفسيران بضع صعوبات نوّه بها ي. هوروفيتز. فاللعنات في الآيات 1 إلى 3 يصعب أن تطبق على أحداث ماضية، ولكنها، على العكس، تستلزم حسابا سيأتي. آخذا من جديد اقتراح هـ. غريم، يرى هوروفيتز في "أصحاب الأخدود" الأشرار الذين يرمون في نار الجحيم والذين، في يوم الحساب، سيكون عليهم أن يتحدثوا عن الجرائم التي ارتكبوها ضد المؤمنين. دعنا مع ذلك نشير إلى أنه يوجد مثال واحد فقط يمكن فيه لكلمة "أخدود" أن تشير إلى الجحيم في غمرة اللهب. والآية محل البحث هي من إسدراس (عزرا) الرابع (7، 36): "وستظهر حفة العذاب؛ وفي مواجهتها سيكون موضع الراحة؛ وسيُرى آتون جهنم، وبمواجهته سيكون فردوس اللذات".

هذه إذن هي حالة سؤال قامت المخطوطات المكتشفة قرب البحر الميت بإحيائه كليا. فالجحيم، شيول، يشار إليها دائما هناك بالكلمة العبرية "שַׁחַט شَحَط،" التي بالفعل تشير في العهد القديم إلى مستقر الأموات. ولهذا، فنحن نقرأ في "التعليم حول الروحين" (القاعدة 4، 11-13): "وأما المجيء بالنسبة لجميع الذين يسيرون في هذه الروح، فهو يشتمل على غزارة الضربات التي يدبرها جميع ملائكة الدمار، وعلى الهاوية الأبدية من خلال الغضب الثائر لرب الانتقام، وعلى الرعب الدائم والخجل الذي بلا حدود، كما وعلى الاستسلام للهلاك بنار المناطق المظلمة".

هذه القطعة مهمة لتفسير السورة. فالنص القمراني يصف، عمليا، عذابات الملعونين في العالم الآخر عند يوم الحساب: ففي "الأخدود الأبدي" سيحرقون "بنار المناطق المظلمة".

يصف كتاب الأناشيد تكرارا في بعض رؤى القيامة قوى الأخدود التي تنتشر خلال العالم في آخر الزمان. "ستفترس أرحام الأخدود كل أعمال الرعب"، "سهام الأخدود" تطير في السماء؛ "أبواب الأخدود ستغلق"، في حين "فتحت كل فخاخ الأخدود".

وهناك المزيد: فنصوص قمران تدعو الأشرار صراحة باسم "בְּנֵי הַשַּׁחַט (بِنَي هشَّحَط) أبناء الأخدود" وأفضل من ذلك "אַנְשֵׁי הַשַּׁחַט (أنِشَي هشَّحَط) أهل الأخدود"، بمعنى الملعونين، أولئك الموكلين للأخدود الأبدي. لهذا نقرأ في الدستور (9، 16) "ولا يوبخن رجال الشِرك (بمعنى الفخ)"؛ أو في 9، 22، "بغض أبدي تجاه أناس الشِرك بسبب روح الاكتناز لديهم!" أو أفضل من ذلك، في 10، 19-20:
أما فيما يخص تعدد رجال الشرك، فلن أقبض عليهم حتى يوم الانتقام؛ لكنني لن أقود غضبي بعيدا عن الرجال الضالين، ولن أرضى حتى يفتتح الحساب.
النص الأخير مهم بشكل خاص، لأن "رجال الشِرك" (أهل الجحيم) هنا هم بالفعل من سيطبق عليهم العقاب في يوم الحساب.

وهكذا فقد تأكد أصل الصيغة القرآنية "أصحاب الأخدود". فهو ترجمة بسيطة للتعبير القمراني (أنِشَي هشَّحَط). والمعنى العام للسورة بالتالي قد توثق. فهو مشهد الحساب الأخير. فالأشرار سيلقون في الهاوية التي أشعلتها الجحيم، حيث يحترقون على لهب خفيف، عقابا على الجرائم التي اقترفوها ضد الأتقياء.

والآية 10 تدعم تفسيرنا: "إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ". ومع أن عددا من الباحثين رصدوا هنا إضافة لاحقة، فهذا الإقحام لم يكن عشوائيا. إذ هو يظهر فهما صميما وموثوقا للسورة، حيث وفر، لو صح التعبير، أقدم وأهم تفسير.

إن توافر القرآن على تعبير قمراني بمثل تقانة "أصحاب الأخدود" يشير بأدق شكل ممكن إلى أن النبي كان على علم بأفكار وصياغات إسينية شائعة. وهذه دعوة مخلصة لتولي من جديد دراسة الإسخاتولوجيا القرآنية في ضوء نصوص قمران.


المصدر: 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق