الأربعاء، يناير 01، 2014

فيكتور ستينجر -- الإلحاد الجديد .. ملخصاً


في هذا الكتاب، قمت بالمراجعة والتوسع في الأفكار التي أصبحت مترابطة مع ”الإلحاد الجديد“، كما قدّمته الكتب واسعة الانتشار التي ظهرت بين 2004 و 2009 من تأليف سام هاريس، ريتشارد دوكينز، دانيال س. دينيت، كريستوفر هيتشنز، وأنا. وفيها انفصلنا عن رؤى الملحدين التقليديين في أنحاء عديدة، وكما سنرى أيضا، فقد أضفنا أصواتهم إلى أصوات المؤمنين المحتجّة.
إن فلسفة الملحدين الجدد تتلخص جيدا في عناوين كتبهم وما تحتها. فهاريس يدعو إلى ”نهاية الإيمان“ لأنه من الخطر وغير النافع أن نؤمن دون أدلة. ويرى دوكينز أن الإيمان بالله ”وهم“. ويدعونا دينيت إلى ”كسر تعويذة“ التابوهات المتعلقة بدراسة الدين ومساءلته. كما يكتب هيتشنز حول ”كيف يسمّم الدين كل شيء“، وأدعي أنا ليس فقط أنه لا توجد أدلة على وجود الله، بل أن ”العلم يثبت عدم وجود الله“.
لقد انتقد بعض الملحدين هذه المواقف نظرا لأنها لا تقبل المساومة. فهم يقولون أننا في حاجة للعمل مع الجماعات الدينية ”المعتدلة“ لو شئنا إبعاد الخلقية عن المدارس. والملحدون الجدد حين لا يرغبون أيضا بوجود الخلقية في المدارس، لا يرون فيها مشكة عابرة يمكن معها التغاضي عن الضرر الأكبر في المجتمع الذي ينتج عن التفكير اللاعقلاني المرتبط بالدين. فما دام المؤمنون المعتدلون مستمرين بالدعوة إلى إيمان بلا سند واضح، يدّعي أن الوحي الإلهي مصدر للمعرفة، فإنهم بذلك يشجّعون العناصر المتطرفة في ذلك الإيمان على التصرف بحرّية في ارتكاب أي فعل رهيب، معتقدين أنهم بذلك ينفّذون إرادة الله.
يتّهم النقاد المؤمنون الجدد الملحدين ’بالعلموية‘، وهي المبدأ القائل بأن العلم هو الوسيلة الوحيدة التي يمكننا بفضلها التعلم عن العالم والإنسانية. ولكنهم لن يستطيعوا اقتباس أي ملحد جديد ادّعى ذلك. فنحن نعترف تماما بقيمة مجالات الفكر والنشاط الأخرى ونشترك فيها، كالفن، الموسيقى، الأدب، الشعر، والفلسفة الخُلُقية. وفي نفس الوقت، حين يتعلق الأمر بالظواهر المشاهَدة، فنحن نصرّ على أن يكون للمنهج العلمي دور مناسب. وذلك يتضمن التساؤلات عن الفوق طبيعي ووجود أي إله يساهم بنشاط في شؤون الكون.
كما يحاول المؤمنون الاحتجاج بأن العلم يعمل وفق الإيمان لا أقل من الدين، بافتراض أن العلم والعقل ينطبقان على العالم. وذلك إنما يفضح جهلا بالعلم يتفشى في أوساط المؤمنين واللاهوتيين. فالإيمان هو الاعتقاد في غياب الأدلة، والعلم هو الاعتقاد في ظل الأدلة. وحين يختلف الدليل مع فرضية علمية، تسقط الفرضية، أما حين يتعارض الدليل مع فرضية دينية، فالدليل يسقط.
وكذلك يسيء المؤمنون فهم استخدام العقل: حيث يقولون أنه ليس بإمكانك إثبات أن الكون معقول دون الوقوع في استدلال دائري، مفترضين أن ذلك هو ما تريد إثباته. وإن كان، فاستدلالهم دائري أيضا، لأنهم يستخدمون العقل فيه. ولكن ما هكذا تجري الأمور: فالحال ليس أن الكون معقول أو لا. بل أن الناس عقلانيون أو لا. فالعقل والمنطق ليسا سوى طرق للتفكير والكلام تم تصميمها للتأكد من أن الفكرة متسقة مع نفسها ومع البيانات. فكيف تتوقع أن تفهم أي شيء من تفكير وكلام غير عقلاني ولا متناسق؟
في هذا الصدد، أود التأكيد على أن نزاعنا مع المؤمنين فكري صرف. ولا أرى ما يمنع أن يتم بكل تحضر. كثيرا ما نتّهم بالاشتراك في ”سجالات“ ضد الدين، ولكن القاموس لديّ يعرّف السجال بأنه ”استدلال مفعم بالعواطف“. فما المشكلة في أن يكون المرء مفعما بالعواطف تجاه استدلالاته؟ فالمؤمنون يحملون نفس العواطف تجاه استدلالاتهم. إننا لا نرى بأسا في سؤال المؤمنين أن يقدّموا أدلة وبراهين عقلانية على إيمانهم، بدلا من الحفاظ على الهدوء كما يفعل العديد من أصدقائنا الملحدين واللاأدريين خوفا من إهانة ”عقائد معتنقة بعمق“. فلماذا تتم تخطئتنا على استحضارنا الحقائق التاريخية حول الفظائع التي ارتكبت باسم الله؟ وكذلك فلدينا كباحثين مطلق الحق في الإشارة إلى التناقضات والأخطاء الصريحة في النصوص المقدسة، وفي وصف اللقى التاريخية والآثارية التي تثبت بما لا يقبل الشك أن أحداثا مثل خروج بني إسرائيل لم تحدث قط، وأن يسوع الذي يصفه العهد الجديد هو إلى حد كبير، إن لم يكن بالكامل، شخص أسطوري. إننا لا نحاول هنا إغلاق المؤسسات الدينية، ولكن يحق لنا كمواطنين أن نعترض على التوزيع غير القانوني أو الدستوري لأموال دافعي الضرائب على تلك المؤسسات، إضافة لسائر الامتيازات الخاصة التي يهبها لهم السياسيون الجبناء. كما نحس أن مهمتنا تتمثل بالاحتجاج حين يستند مسؤولون في الحكومة على الخرافة بدلا من العلم في صنع القرارات التي تؤثر في حياة الجميع على هذ الكوكب.
لقد قمت بالاستفاضة في الموقف العلمي للإلحاد الجديد، الذي يعتقد أن نموذجا ماديا بالكامل عن الكون يوفر تفسيرا مقبولا لكل مشاهداتنا، من الكونيات وحتى العقل البشري، دون أن يترك أي فجوة يحشر فيها الله أو الفوق طبيعي.
يعتقد المؤمنون أن لديهم ثغرة لإدخال الله، يوفرها الانفجار الكبير الذي يتطلب خلقا فوق طبيعي. وقد أظهرتُ كيف أن هذا الزعم يقوم على فكرة خاطئة هي أن الكون لا بد أن تكون له بداية ذات كثافة لا نهاية وحجم شديد الضآلة تدعى ’بالتفرّدية‘. وهم يفسرون هذه التفردية خطأ على أنها بداية الزمان والمكان.
كان ستيفن هوكينغ من بين مؤلفي ”البرهان“ الأصلي قبل ثلاثة عقود على أن تفردية كهذه هي نتيجة لنظرية آينشتاين في النسبية العامة. ولكنه قبل عقدين، في كتابه الشهير ”تاريخ موجز للزمن“، فصّل أن الحساب الأصلي لم يأخذ ميكانيك الكم بالحسبان، وأنه حين يتم ذلك لن تحدث التفردية.
حتى في أحدث كتبهم ومحاضراتهم، يستمر المؤمنون بتجاهل هوكينغ وتمرير هذا الخطأ. ولا يبدو أنهم يهتمون لأن جمهورهم عموما ليسوا على قدر كافي من التعقيد الفكري لاستيعاب ذلك. ربما لم تكن للكون بداية: ففي أحد السيناريوهات المقبولة التي يمكن اشتقاقها رياضيا بالكامل، ظهر كوننا عن كون آخر سابق كان موجودا دوما، عبر عملية مفهومة جيدا تعرف بالنفقية الكمية.
نفس سوء الفهم أو التجاهل هذا للحقائق العلمية ينطبق على زعم إيماني آخر، هو أن الكون مولّف بدقة للحياة بحيث لا يمكن إلا لكائن ذكي أن يخلقه. حتى ألمع زملائي في الإلحاد الجديد يجدون مشكلة مع هذا الزعم لأنهم ليسوا فيزيائيين. في هذا الكتاب وما سبقه، حاولت أن أشرح أسباب فشل الاحتجاج بالتوليف الدقيق. إن معايير الكون ليست مولفة بدقة على الإطلاق. فهي إما تمتلك القيم التي لديها نظرا لأنها اعتباطية من الأصل، أو مثبتة بفضل قوانين الفيزياء، وإلا فهي تسمح ببعض أشكال الحياة حين تتغير المعايير الأخرى. أحد الأخطاء التي يقع فيها غير المؤهلين في زعمهم التوليف الدقيق هو تثبيتهم لكل المعايير إلا واحدا والتلاعب به وحده. وكل عالم حسن التدريب يعرف أن كل المعاملات يجب أن تتغير خلال دراسة ما يجري عند تغير معاملات النظام.
إن حركة التصميم الذكي في البيولوجيا تتجه نحو موت طبيعي، رغم أننا سنسمع منها بضع شهقات الموت قبل دفنها النهائي. أما التصميم الذكي في الكونيات فيستحق الموت فعلا، وأنا متعب من توجيه السهام نحوه. والمساحة الجديدة التي يحاول فيها المؤمنون تحديد موقف هي العقل. فهم يظنون أن بإمكانهم العثور على ثغرة تناسب الله في حقيقة أن علم الأعصاب لم يصل بعد إلى إجماع بخصوص نموذج مادي صرف لعمليات الدماغ التي ترتبط بالتفكير والوعي. ولكننا قد رأينا أن كل الأدلة تشير إلى العقل كظاهرة مادية صرف وأن الاعتراضات المشروعة على هذا الاستنتاج هي إما لاهوتية أو فلسفية. أما ادعاءات الأدلة على قوى خاصة للدماغ، كالإدراك فوق الحسي ESP، فلا تصمد أمام تطبيق نفس المعايير الصارمة المتبعة في تقييم أي ادعاء غير اعتيادي في العلم.
لقد قدمت أمثلة على الفظائع في الكتاب المقدس والتي اقترفها الدين عبر العصور. وقضيت بعض الوقت مع المورمون لأنهم يمثلون طائفة تشكلت في وقت قريب بما يكفي لتوافر بيانات تاريخية موثوقة نخرج منها باستنتاجات حول سبب التلازم بين الدين والعنف كما بين الحصان والعربة. أحب الأجوبة البسيطة، والجواب على ذلك بسيط: فالمرء قادر على نحر حنجرة رضيع إن كان مقتنعا بأنه يؤدي أوامر الله.
كما قمت بالرد على بعض انتقادات الملحدين الجدد، وخصوصا تلك الموجهة ضد سام هاريس وكريستوفر هيتشنز، الذين يرميان باللائمة في 9/11 وسائر الأعمال الإرهابية تحديدا على الدين وليس كنتيجة وحيدة للقمع السياسي. وكما رأينا في الفصل الخامس، فإن التعليمات الأخيرة التي أعطاها محمد عطا لفريقه لا تترك مجالا للريب: فالإسلام هو ما دفع بتلك الطائرات في تلك المباني.
تحاول العديد من الكتب الإيمانية التي تنتقد الملحدين الجدد أن تحتج بأن ”ملحدين“ مثل ستالين وهتلر قتلوا من البشر أكثر من كل ملوك العالم المسيحي، والحملات الصليبية، ومحاكم التفتيش جميعا. وهذه القضية واهية من عدة جبهات. فأولا، لا يوجد كتاب مقدس إلحادي يأمر الناس بأن يقتلوا الناس باسم الإلحاد، كما يشرّع الكتاب المقدس والقرآن لقتل الكفار. وثانيا، فإن هتلر لم يكن ملحدا. وثالثا، فلو لم يكن هناك دين، لما كانت هناك جماعة منفصلة مبغوضة كاليهود الذين تمت ملاحقتهم عبر القرون لأنهم ”قتلة المسيح“. ورابعا، فإن مستندات كشفت حديثا عن الحقبة السوفياتية تثبت أن ستالين لم يقتل باسم الإلحاد، بل قام في الواقع بتطبيع العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية خلال الحرب العالمية الثانية. وكثيرا ما تعاونت الكنائس مع الحكومات، مهما بلغت قسوتها، عن قرب بهدف قمع المعارضة، حيث تعاونت الكنيسة الكاثوليكية مع النازيين؛ وساعدت الأرثوذكسية الروسية على بقاء القياصرة في الحكم، واستمر حكام روسيا السوفياتية والمعاصرة في الاستفادة منها في هذا الصدد.
إن المرء لا يقيس الشر بأعداد القتلى. فهل قتل عشرة أبرياء أسوأ من قتل واحد؟ كل ملك، بابا، صليبي أو مفتش قتل شخص واحدا بظلم يعد مقترفا للشر. وكما يسجل التاريخ فقد قُتِل من البشر باسم الدين أكثر بأضعاف ممن قتلوا باسم الكُفر.
لقد قضيت بعض الوقت في تلخيص استنتاجات الباحث الكتابي بارت إيرمان، الذي بعد أن خدم كوكيل بروتستنتي تخلى عن إيمانه حين وجد أن الكتاب المقدس والتعاليم المسيحية تفشل في تفسير المعاناة في العالم. لا شيء من الأجوبة الكتابية ينفع. فقد علّم الأنبياء أن المعاناة هي عقاب الله على العصيان. ولكن حتى الطائعون يعانون، كما تشهد بذلك قصة أيوب. إن ادعاء أن المعاناة هي بما كسبت أيدي الناس، الذين مكّنتهم من ذلك الإرادة الحرة، يفشل في تفسير المعاناة من الظواهر الطبيعية. فكرة أخرى هي أن المعاناة إحدى أبواب التوبة، التي تأتي بالخير في محل الشر. ولكن أي خير قد يأتي من الأطفال الكثر الذين يموتون من المجاعة كل يوم؟ وفي الختام، فإن الكتاب المقدس يعد بأن المعاناة والموت سينتهيان حين يعود يسوع في يوم الدين الأخير. وقد وعدنا يسوع بأن ذلك سيحصل خلال جيل، لكنه لم يتحقق حتى الآن.
كما راجعت باختصار الأجوبة التي قدمتها سائر الأديان، عدا المسيحية، على المعاناة. ففي الإسلام، تعتبر من إرادة الله التي لا يُسأل عنها. والهندوس يرون أن المعاناة تختفي في حياة قادمة. والبوذا يعلم طريقا ثمانيا لإنهاء معاناة الفرد، الذي ينبع من فناء الذات حين تنتهي سلسلة حيوات المرء بالعدم. كما تعلم الطاوية التوقف عن حب الذات واستبداله بحب العالم.
لقد اقترح سام هاريس في نهاية الإيمان أن نلقي الانتباه إلى بعض بصائر البوذا وسائر الروحانيين والباطنيين الشرقيين لمساعدتنا على فهم عقولنا. وقد كتبت المؤرخة الدينية كارين آرمسترونغ حول الفترة بين 900 ق.م و 200 ق.م، التي وصلت الذروة عند حوالي 500 ق.م، حيث حصل تحول جسيم في التفكير البشري. ولم تتكرر ثورة مماثلة في التفكير البشري إلا بين 1600-1700 م مع ارتقاء العلم والعقل في الغرب. تسمّى تلك الفترة السابقة بالعصر المحوري وتتميز باتجاه المفكرين في الهند والصين نحو الباطن وبحثهم عن الحقائق داخل أنفسهم عبر تخلية عقولهم وتحرير أنفسهم من عبودية الأنا. كما تصف آرمسترونغ تحولات في التفكير حدثت في اليونان وأرض إسرائيل، لكنها قادت إلى اتجاهين مختلفين.
المثير للانتباه أن الحكماء الأهم: بوذا، لاو تزو، وكونفوشيوس، كلهم عاشوا عند حوالي 500 ق.م. كما يفترض أن ثاليس الملطي، وهو أول عالم في التاريخ المدوّن، توقع كسوف الشمس الذي حصل في 29 مايو 585 ق.م، مقتدحا زناد العصر المحوري اليوناني. ورغم أن هذا الحدث محل نزاع، فالعلم اليوناني إنما بدأ مع ثاليس. ومن المصادفات أن اليهود قد سيقوا للسبي إلى بابل قرابة عام 585 ق.م، مما قاد إلى عصر محوري يهودي.
وفي حين أن قلة من المتألهين في الأديان الإبراهيمية علّموا أيضا فضائل نفي الذات، فإن ما قاد السواد الأعظم من معتنقي تلك الأديان كان التفكير شديد الأنويّة. ومع أن الأمر أقل حدة في اليهودية، فإن المسيحية والإسلام لم يصبحا أهم دينين في العالم إلا لسبب واحد: الوعد بالحياة الأبدية.
لا يمكن للإلحاد أن يتنافس مع هذا الوعد. فنحن لن نحصل على متحول واحد لو وعدناه بالعدم بدلا من الفردوس (أما الجحيم فينذَر به الآخرون). وكذلك فلو كنت ملحدا بالفعل وترى في الفردوس حلما مستحيلا كما هو بالفعل، فأنت في حاجة لطريقة تواجه بها العدم. لقد أشار الحكماء العظام لهذا الطريق، ولو استأصلنا الركام الفوق طبيعي والخرافات التي راكمتها الأديان التي تأسست فوقها خلال الـ25 قرنا الأخيرة، سيكون لدينا ما نسمّيه بالطريق الطبيعي: فنحن كائنات طبيعية مادية، ذات أدمغة طبيعية مادية استطاعت التطور، بأي طريقة كانت، لإعطائنا شعورا متساميا بالذات.
يؤكد المؤمنون أن الدين ضروري من أجل مجتمع أخلاقي، وأن الأخلاق إنما تأتي من الله، وأنه في مجتمع إلحادي سيتواثب الجميع كالوحوش. ومن المؤكد أن هذا ليس وليد الوقائع، التي تشير إلى أن المشاكل مع الجريمة، العنف ضد الأطفال والأزواج، الحمل عند المراهقات، إدمان العقاقير، وسائر العلل الاجتماعية إنما تقلّ في المجتمعات الأقل تديّنا. والأدلة متضافرة على أن المجتمعات الأسعد، الأصح، والأفضل تكيفا في العالم هي تلك التي تحررت فيها الأكثرية من الإيمان بالله.
وفي حين لا يزال الباحثون يناقشون الآليات، فمن المرجح جدا أن الأخلاق تطورت طبيعيا في المجتمع ولم يتم تبنّيها إلا لاحقا، وبشكل منقوص، في الدين. تعتبر العديد من التعاليم الكتابية، مثل دعم العبودية وإخضاع النساء، لاأخلاقية بالمعايير الحديثة. وتكشف هذه الأمثلة أيضا أن القيم ليست ثابتة وإنما تتطور مع الزمن.
أي قيم معينة إذن يقترح الإلحاد الجديد أن تعيش وفقها؟ ليست مختلفة أبدا عن تلك القيم المرتبطة بالإنسانوية والعقلانية الفلسفية عموما. يمكنك أن تجدها في وفرة من الأدبيات، لاسيما الأعمال العديدة لبرتراند راسل. ومن بين الملخصات الحديثة: فلسفة الإنسانوية لكورليس لامونت، اليوبراكسوفيا لبول كيرتز، كيف تحيا لبيتر سينغر، والقيمة والفضيلة في كون ملحد لإريك ج. ويلنبرغ. ويقدّم المؤلف الأخير هذه الفكرة:
إن الانتصار في القبول بالطبيعية يتمثل في فرض السيطرة على عقل المرء ذاته. ففي كون تخضع فيه البشرية إلى حد كبير لقوى لامبالية أخلاقيا خارج نطاق سيطرتها، يتمثل أحد أبرز أنواع الإنجاز في فرض السيطرة. وفي الحالة الخاصة للقبول بالطبيعية، فإن الانتصار هنا هو على الخوف.  فالمؤمن الديني مدفوع بالخوف؛ وبهذا الشكل، فإن عقل المؤمن، وكذلك جسده، معرّض لقوى تتجاوز نطاق سيطرته. ولكن الطبيعي يتولى السيطرة على عقله، ويرفض أن يسود عليه الخوف؛ هذا الانتصار على الكون هو إنجازٌ هام بذاته وفي ذاته.
لقد أسيئ فهم رسالة الإلحاد الجديد بشكل رهيب باعتبارها سلبية حصرا. ولكن لكل جانب سلبي هناك وجه إيجابي أكبر منه. فالإيمان سخيف وخطر، ونحن نطمح إلى اليوم الذي، مهما بعُد، يتخلى فيه الجنس البشري عنه. والعقل بديل نبيل عن ذلك، ويشهد له نجاحه. إن الدين مرض فكري وأخلاقي لا يمكنه الاستمرار للأبد إن كنا إطلاقا على ثقة في التقدم البشري. فالعلم لا يرى حدا لقابلية البشر على فهم الكون وذواتهم. الله غير موجود، والحياة من دونه تعني أننا الحاكمون على مصائرنا.
إن كنت مؤمنا بالله أو بشيء آخر، اخلع عنك النير وانضمّ إلينا. إن كنت لاأدريا، انظر إلى الأدلة وسترى أننا بالفعل نعرف أن الله غير موجود، وشاركنا. إن كنت ملحدا وتعتقد أن بإمكاننا العمل مع المؤمنين المعتدلين، فتمعّن في نتائج الفكر اللاعقلاني وتابعنا.