السبت، يوليو 26، 2014

قاعدة أسينية في القرآن -- مارك فيلونينكو

تشير السورة 24 [النور] في الآيات 27-31 إلى قواعد مختلفة تتعلق بالأدب بين المؤمنين: كأن لا يدخل أحدهم بيت غيره دون أن يعلن عن نفسه أولا؛ وأن تلتزم النساء بالعفة والخِمار. ثم تعود لنفس الموضوع في الآيات 57 إلى 63. وتتعامل الآية 60 مع مشكلة ذات علاقة، هي الوجبة الجماعية. وهي تقول:
”ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج، ولا على أنفسكم: أن تأكلوا من بيوتكم، أو بيوت آبائكم، أو بيوت أمهاتكم، أو بيوت إخوانكم، أو بيوت أخواتكم، أو بيوت أعمامكم، أو بيوت عماتكم، أو بيوت أخوالكم، أو بيوت خلتكم، أو ما ملكتم مفاتحه، أو صديقكم. ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا…“
وهنا يسمح محمد للمؤمنين بأن يجلسوا على مائدة أقاربهم، أو من تربطهم بهم صداقة. وهذا السماح يتوسع ليشمل الأعمى والأعرج والمريض. ومن الواضح أن هذا الامتداد لا يبدو مناسبا للسياق، من حيث الأسلوب وكذلك المعنى. ولا يحاول المفسرون الأوائل إخفاء خجلهم. فوفقاً للضحّاك، ”كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض، فقال بعضهم: إنما كان بهم التقذر والتقزز. وقال بعضهم: المريض لا يستوفي الطعام، كما يستوفي الصحيح؛ والأعرج المنحبس، لا يستطيع المزاحمة على الطعام؛ والأعمى لا يبصر طيب الطعام، فأنزل الله: أن ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج.“

ويعترف البيضاوي بأن هذا الوصل الغريب "لا يلائم ما قبله ولا ما بعده". في الواقع، كما يلاحظ بلاشير، وفاقاً لغولدتسيهر، فمن الصعب أن نعتقد أن الأعمى والأعرج كانوا يستثنون من الوجبة الجماعية فقط على أساس إعاقتهم.

ولدينا مزيد، فهذا الاصطلاح النادر ”ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج“ يوجد في سورة أخرى، هي 48 [الفتح]. وفيها يتحدث الرسول مع بعض الأعراب المترددين في المشاركة في غزوة مقاتلة [48: 16]، ”ستُدعَون إلى قوم أولي بأس شديد: تقاتلونهم أو يُسلمون؛ فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسنا، وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبل يعذّبكم الله عذاباً أليما.“ ولكن [محمداً] يضيف مباشرة:
”ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج [في امتناعهم عن الذهاب للقتال].“
وهذا التحديد لائق تماما في هذا السياق. فمن الطبيعي كفاية—كما قد يظن المرء—أن العمي والعرج والمرضى، لحقيقة أنهم معاقون، معذورون في عدم المشاركة في المعارك. وسيتفهّم المرء إذن لو اعتبر النقّاد أن ذكر العمي والعرج والمرضى في السورة 24 إنما يأتي من السورة 48. ورغم ذلك، كما أكّد توري، فهناك مشكلة صامدة: كيف للمرء أن يقرر لو كانت هناك إزاحة عفوية أو إدراج مقصود؟

إن الحملة المذكورة في السورة 48 ليست غزيّة عادية، بل هي حلقة من حلقات الحرب المقدسة. ونحن نعرف مكانة هذا المثال الجهادي في الإسلام. ولكن قبل-تاريخه يظل غامضا بعض الشيء. إن مقارنة مع العهد القديم تفرض نفسها علينا، ومع لفائف البحر الميت بشدة أكبر. فلفافة أبناء النور ضد أبناء الظلام تمجد الحرب المقدسة، بشكل لم يعرف من قبل، وتصف بالتفصيل التكتيكات، الأسلحة والقواعد عند جنود الرب المقدسين. وبهذه الطريقة يجد المرء خطة مكتملة للتحرك، وصفات أخلاقية وبدنية محددة لمن يقاتل ومن لا يقاتل. والمجموعة الثانية هي ما يثير اهتمامنا لأقصى حد:
”وأي رجل أعرج أو أعمى أو مشوّه، أو له في جسمه عيب دائم، أو مصاب بنجاسة في جسده، فإن أحدا من هؤلاء لا يذهب معهم إلى القتال.“
إن الإضافة، في تنظيمات الحرب، لمجموعات أخرى من المعاقين إلى هؤلاء العرج والعمي والمقعدين، لا تكفي للتغطية على اكتشاف أدق من أن يكون مجرد صدفة. لقد علم النبي بالتنظيم القمراني. ولا يوجد سبب جيد للاندهاش، ما دام النبي، كما حاولنا أن نثبت في غير مكان، على علم بالتقاليد الأسينية. وينبغي أن نلاحظ من جديد أن النبي قد غير القصد الأصلي من القاعدة القمرانية. فوفقا للنص العبري، يستثنى العمي والعرج والمقعدون بسبب نجاستهم. أما وفقا للنص العربي، فهم معفوّ عنهم نظرا لإعاقتهم.

كما نجد في الدستور الملحق قائمة طويلة من الأشخاص المستثنين من الجماعة:

”ولا يدخلنّ أي شخص أصابته أي من هذه النجاسات الإنسانية في اجتماع الله. وكل شخص أصابته هذه النجاسات، وغير جدير بشغل مركز وسط الرعية، وكل شخص إصابته في جسده، وشلّ بقدميه أو بيديه، أعرج أو أعمى أو أصم أو أبكم أو مصاب في جسمه بعاهة ظاهرة للعينين، أو كل شخص معمر يترنح دون أن يستطيع الوقوف ثابتا وسط الرعية. لأن ملائكة القداسة موجودون في رعيتهم. وإذا كان لدى أحدهم شيء يقوله لمجمع القداسة، فإنه يُستجوَب عندها بمفرده، لكنه لا يدخل وسط الرعية لأنه مصاب.“
وهكذا، فالعمي والعرج والمرضى من كل الأنواع مستثنون من الاجتماع، ولأسباب أهم بكثير من الوجبة الجماعية التي يشار إلى تنظيمها من جديد في الدستور الملحق بعد عدة أسطر. فالعمي والعرج والمقعدون، النجسون وفقا لشرائع سفر اللاويين، سينتهكون الوجبة المقدسة إلى غير رجعة عبر حضورهم. وهذا يفسّر إزاحة جزء من اصطلاح ”ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج“. فهذا الإدراج، الذي ربما كان مؤلفه هو الرسول نفسه، متأصل في الاستعداد لقبول العمي والعرج والمرضى في الوجبة الجماعية. إنه رفض واضح لقاعدة أسينية كان بعض يهود المدينة يريدون، دون شك، أن يروها محترمة.

فمحمد إذن لا يستنسخ ببساطة ودون وعي موقفه من العمي والعرج والمرضى عن الممارسة القمرانية. بل يحافظ عليه في كل ما يخص الحرب، ويرفضه في كل ما يخص الطعام. والسبب في هذا التمييز الدقيق واضح: ففي نظر محمد، يجد العمي والعرج والمرضى أنفسهم، بسبب إعاقتهم، غير قادرين بدنيا على المشاركة في الحرب المقدسة. ولكنهم ليسوا مصابين بنجاسة طقسية: حيث يمكنهم المشاركة في الوجبة الجماعية.

المصدر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق