الاثنين، أكتوبر 13، 2014

عن آليات التشهير -- سام هاريس

دعوني أوضح كيف يعمل هذا. رغم أن بإمكاني اقتباس مئات الأمثلة من آخر أسبوعين فقط، إليكم ما استيقظت لأراه: شخص ما يدعو نفسه @dan_verg_ على تويتر انتزع أسهل عباراتي إساءة للفهم في نهاية الإيمان من سياقها (الضروري جدا)، وربطها بصورة مخيفة لي، واعتبرني ”مجنونا فاشيا يدعو للإبادة الجماعية.“ ثم أعاد رضا أصلان نشرها. وبعد ساعة، نشرها غلين غرينوالد من جديد.


لم يستغرق الأمر ثانيتين من وقتهما، كي تنشر هذه الرسالة لملايين الناس. ولكني أعرف أمرا واحدا كيقين أخلاقي: أن غرينوالد وأصلان يعرفان أن هذه الكلمات لا تعني ما تبدو عليه. فنظرا لقدر المحادثات التي مررنا بها حول هذه الموضوعات، ونظرا لأني أصبت المستمعين بالملل وأنا أوضح هذه العبارة (ردا على هذا النوع من المعاملة)، فاحتمال أن أيا من الكاتبين يظن أنه يكشف الحقيقة حول أفكاري—أو أني فعلا ”مجنون فاشي يدعو للإبادة الجماعية“—هو صفر. إن أصلان وغرينوالد—”باحث“ مشهور و ”صحفي“ مشهور—قد انخرطا في حملة من التشهير المحض. فهما يضللان قراءهما عن عمد ويزيدان من احتياطاتي الأمنية بفضل ذلك.

مهما كان مستوى معارضتي لرؤى شخص آخر، فإني لم أتصرف هكذا أبدا. حيث لم أقم عن معرفةٍ بتشويه المواقف التي أنتقدها، سواء كانت عقائد دين ما أو معتقدات شخصية عند فرنسيس كولنز، إيبن ألكسندر، ديباك تشوبرا، رضا أصلان، غلين غرينوالد، أو أي كاتب أو شخصية عامة أخرى اصطدمت بها من قبل. إن الحد الفاصل بين النقد الصارم والتشهير هو معرفة أنك تسيء تمثيل خصمك.
 

إليكم العبارة في سياقها (p. 52-53):
إن سيطرة الإيمان على حياتنا العاطفية تبدو شاملة. فلكل عاطفة يمكنك الإحساس بها، يوجد بالتأكيد اعتقاد يمكنه حثّها خلال لحظات. تصور المقدمة التالية:
ابنتك يتم تعذيبها ببطء في سجن إنجليزي.
ما الذي يقف بينك وبين الرعب الخالص الذي قد تطلقه مقدمة كهذه في عقل وجسد شخص يصدق بها؟ ربما لا توجد لك ابنة، أو تعرف أنها بأمان في المنزل، أو تعتقد أن السجانين الإنجليز معروفون بسماحتهم. مهما كان السبب، فإن الباب إلى الإيمان لم ينفتح بعد على مصراعيه.
إن الرابط بين الإيمان والسلوك يرفع الرهان بنحو ملحوظ. فبعض المقدمات من الخطورة بحيث قد يكون من الأخلاقي أن تقتل أشخاصا لاعتقادهم بها. قد يبدو ذلك ادعاء استثنائيا، لكنه ينطق عن حقيقة اعتيادية عن العالم الذي نحيا فيه. فبعض العقائد تدفع بأتباعها خارج متناول كل وسيلة سلمية للإقناع، وتلهمهم لارتكاب أفعال من العنف الاستثنائي ضد الآخرين. ولا يمكن، في الواقع، التحدث إلى بعض الأشخاص. إن لم يمكن القبض عليهم، وكثيرا ما لا يمكن، فقد يملك الأشخاص المتسامحون رغم ذلك مبررا في قتلهم دفاعا عن النفس. هذا ما حاولت الولايات المتحدة فعله في أفغانستان، وهذا ما يجب علينا وعلى سائر القوى الغربية أن نحاول فعله، بكلفة أعظم في حقنا وحق الأبرياء في الخارج، في أرجاء العالم الإسلامي. فنحن نستمر بسفك الدماء ضمن ما يعد، في جوهره، حرب أفكار.

وهناك هامش لهذه الفقرة يقول:

لا يجب علينا أن نخضع أعضاء القاعدة ”للقضاء العادل“ فقط بسبب ما حصل في 11 سبتمبر 2001. فآلاف الرجال والنساء والأطفال الذين اختفوا تحت ركام مركز التجارة العالمي، لا يمكننا مساعدتهم—وأفعال القصاص الناجحة، مهما بدت مرضية لبعض الناس، لن تغير هذه الحقيقة. إن أفعالنا اللاحقة في أفغانستان وغيرها مبررة نظرا لما قد يحدث للمزيد من الأبرياء لو استمر أعضاء القاعدة بالعيش في ضوء معتقداتهم الشاذة. إن رعب 11 سبتمبر يجب أن يحرّكنا، ليس لأنه يوفر لنا حقدا يجب أن نقتص له، بل لأنه يثبت دون أدنى شك أن بعض المسلمين في القرن الحادي والعشرين يعتقدون حقا في أشد دعائم إيمانهم خطرا ولامعقولية.
إن السياق الأوسع لهذه الفقرة هو تحليل نفسي وفلسفي للإيمان كماكنة للسلوك—وما يربطه بالسلوك هو جوهر هذه المناقشة. لماذا يعد أخلاقيا أن نسقط قنبلة على قادة داعش في هذه اللحظة؟ نظرا لكل الدمار الذي ألحقوه؟ كلا. فقتلهم لن يفعل شيئا لرفع ذلك الدمار. بل يعد أخلاقيا أن نقتل هؤلاء الرجال—من جديد، فقط لو لم نستطع القبض عليهم—نظرا لكل القتل والمعاناة التي يريدون إحداثها في المستقبل. ولماذا يريدون ذلك؟ نظرا لما يعتقدونه عن الكفار، المرتدين، النساء، الجنة، النبوءة، أميركا، وهلم جرا.

يعرف أصلان وغرينوالد أني لا أقترح في أي مكان من أعمالي أن نقتل أشخاصا غير مؤذين لجرائم فكرية. ولكنهم (إلى جانب العديد من زملائهم) يفعلون ما بوسعهم لنشر هذه الكذبة عني. كما أن معظم التعليقات التي أطلقوها حول أعمالي مضللة بنفس القدر.

إن أصلان وغرينوالد يهبطان بحوارنا العام، ويجعلان النقاش النزيه لأفكار مهمة غير مريح بشكل متزايد—بل وخطرا على صعيد شخصي. لماذا يقومان بذلك؟ أرجو أن تسألوهما ومن ينشر لهما.

المصدر: On the Mechanics of Defamation

الأربعاء، أكتوبر 08، 2014

هل يمكن إنقاذ الليبرالية من نفسها؟ -- سام هاريس

بيل ماهر، سام هاريس، و بن أفليك في حلقة 3 أكتوبر 2014
 
لقد أثار تصادمي الأخير مع بن أفليك في برنامج بيل ماهر، Real Time، قدرا كبيرا من الجدل. ويبدو أن تعقيبا نهائيا أمر مستحق.

لمن لم يشاهدوا البرنامج، لن يبدو لمعظم ما أكتبه هنا معنى ما لم تشاهدوا فقرتي هذه:



ما الذي حدث إذن؟

أعترف أني قد فوجئت قليلا بعدائية أفليك. لا أعرف من أين جاء بها، لأننا لم نلتقي قبل مشاركتي في الجلسة. وقد كان واضحا من محادثتنا بعد البرنامج أنه لا اطلاع له مطلقا على عملي. وأشك أن هناك بين ناصحيه أحد المعجبين بغلين غرينوالد، حضّره لهذا الظهور عبر إخباره ببساطة بأني عنصري ومحرض للحرب.

أيا كان السبب، فلو شاهدت الفيديو الكامل لمحادثتنا (الذي يبدأ في الواقع قبل المقطع أعلاه) سترى أن أفليك كان يستهدفني من البداية. أظن أن ما لا يعرفه العديد من المشاهدين هو أن المقابلة في منتصف البرنامج يجب أن تكون محادثة محددة بين خمس وسبع دقائق بين [بيل] ماهر والضيف الجديد—وكل الجلوس يعرفون ذلك. وتجاهل هذا الترتيب والتجاوز على هذه المساحة جلفٌ بعض الشيء؛ أما المقاطعة والانتقاد، كما فعل أفليك، فهي عدائية جدا. لقد حاول أن يسدد ضربته الأولى بعد 90 ثانية فقط من جلوسي، قبل أن يطرح موضوع الإسلام حتى.

رغم أني كنت على علم بأني لم أكن محبوبا من أفليك، فلم أكتشف مدى عدائيته على البرنامج حتى شاهدته على التلفاز في اليوم التالي. لم يكن ذلك بأي حال محادثة عادية بين أغراب. فمثلا: قلت أن الليبرالية تخوننا في شأن الثيوقراطية الإسلامية، وعلق أفليك ساخرا، ”شكرا لله على وجودك!“ (كانت هذه ثاني مقاطعة لمقابلتي.) ثم قلت، ”تصدّر لنا اليوم ميمة الإسلاموفوبيا، التي يساوى فيها كل انتقاد لعقيدة الإسلام بالتعصب تجاه المسلمين كأفراد،“ وقفز أفليك للمرة الثالثة، بنحو جعل مقابلة منتصف البرنامج لاغية عمليا: ”توقف لحظة—هل أنت الشخص الذي يفهم العقيدة الإسلامية المصوغة رسميا؟ هل أنت مفسر لذلك؟“

كما أشار العديد منذئذ، فقد أثبت أفليك ونيكولاس كريستوف نظرتي بسرعة، عبر إساءة فهم كل ما قلته أنا وماهر عن الإسلام بوصفه تعصبا ضد المسلمين. فقد كانت عباراتنا ”مقرفة،“ ”عنصرية،“ ”قبيحة،“ ”كالقول بأنك يهودي مراوغ“ (أفليك)، و ”كاريكاتير“ يملك ”أثرا من طريقة حديث العنصريين البيض عن الأميركيين السود“ (كريستوف).

إن أشد ما قلته إثارة للجدل كان: ”يجب أن نملك القدرة على انتقاد الأفكار الرديئة، والإسلام هو المنبع للأفكار الرديئة.“ وقد لاقت هذه العبارة اتهامات لا تحصى ”بالتعصب“ و ”العنصرية“ على الإنترنت وفي وسائط الإعلام. ولكن تخيل أننا في العام 1970 وأني قلت: ”الشيوعية هي المنبع للأفكار الرديئة.“ هل يعقل أن أهاجم ”كعنصري“ أو شخص يحمل حقدا لاعقلانيا للروس، الأوكرانيين، الصينيين، الخ؟ هذا هو حالي بالضبط. فانتقادي للإسلام انتقاد للاعتقادات وعواقبها—ولكن زملائي الليبراليين يرونه معكوسا كتعبير عن تعصبي تجاه الشعوب.

واستمر التوتر في الجلسة بالتزايد. ففي نقطة ما حاول أفليك مقاطعتي بالقول، ”أوكي، دعه [كريستوف] يتحدث لثانية.“ وحين أنهيت جملتي، لوحّ بيده بنفاد صبر، مشيرا إلى أني كنت أدندن مطولا. وحين شاهدت هذا الحديث على التلفاز (لغة جسده ونبرته أقل وضوحا على النت)، وجدت أن حقد أفليك تجاهي مذهل جدا.

ولكني أودّ إيضاح أمر واحد. فأنا لم آخذ عدائية أفليك بنحو شخصي. فهذا أمر ألاقيه الآن بانتظام عند من يصدقون بالأكاذيب حول عملي التي اختلقها بمواظبةٍ أمثال رضا أصلان، غلين غرينوالد، كريس هيدجز، وآخرون. لو كنت جالسا على طاولة وأمامي شخص ”يعرف“ أني عنصري ومحرض للحرب، فكيف لي أن أتصرف؟ لا أعرف بصراحة.

لقد أثار كريستوف نقطة أن هناك مسلمين شجعانا يخاطرون بحياتهم لإدانة ”التطرف“ في المجتمع المسلم. وهم موجودون بالطبع، وأنا أحتفي بهم. ولكنه بدا غير واعي تماما بأنه كان يثبت نقطتي لأجلي—والنقطة هي، طبعا، أن هؤلاء الناس يخاطرون بحياتهم اليوم إذ ينادون بحقوق الإنسان الأساسية في العالم الإسلامي.

حين قلت لأفليك أنه لم يفهم استدلالي، أجابني، ”لا أفهمه؟ استدلالك هو ’كما تعلم، السود، يطلقون النار على بعضهم، فهم سود!‘“ ماذا توقع مني أن أرد عليه—”شكرا للتصحيح“؟

رغم أني أوضحت أني لا أدعي أن كل المسلمين يلتزمون بالعقائد التي أنتقد؛ مميزا بين الجهاديين، الإسلاميين، المحافظين، وسائر المجتمع المسلم؛ ومبرئا بصراحة مئات ملايين المسلمين الذين لا يأخذون أحكام الكفر، الردة، الجهاد، والشهادة بجدية. ولكن أفليك وكريستوف أكدا أني كنت أهاجم كل المسلمين كمجموعة. لسوء الحظ، فقد أسأت التعبير عند هذه النقطة، قائلا أن مئات ملايين المسلمين لا يأخذون ”إيمانهم“ بجدية. وقد جعل ذلك العديد من الناس يظنون أني أشير للملحدين المسلمين (الذين لا يوجدون بهذه الأعداد بكل تأكيد) وألمح إلى أن الوحيدين القادرين على إصلاح الإيمان هم من تركوه. لا أعرف كم مرة على المرء أن ينكر أنه يشير إلى مجموعة كاملة، أو يقتبس نتائج استطلاع محددة أو يبرر النسب التي يتحدث هو عنها، ولكن لا قدر من التوضيح يبدو كافيا لإحباط تهم التعصب والافتقار ”للتدقيق.“

من الأمور الأشد إحباطا في تداعيات هذه المحادثة هي الطريقة التي يعظم بها أفليك اليوم لفضحه ”العنصرية،“ ”التعصب،“ و ”بغض المسلمين“ عندي وعند ماهر. وهذه علامة أخرى على أن اتهام أحدهم ببساطة بهذه الخطايا، مهما كان لامنطقيا، يكفي لتأسيسها كوقائع في عقول العديد من المشاهدين. ولا ينفع بالتأكيد أن أشخاصا بلا ضمير مثل رضا أصلان وغلين غرينوالد لا يزالون يحرفون المحادثة بهذا النحو.

بالطبع، فإن أفليك أيضا يندد به بشكل واسع بوصفه أبلهاً. ولكن معظم هذا النقد أيضا غير منصف. فإن من يصفونه كمجرد ”ممثل“ خرج عن حد فهمه، ليسوا أفضل ممن يرفضونني ”كعالم أعصاب“ لا يمكنه لهذا أن يعرف أي شيء عن الدين. وأفليك ليس مجرد ممثل: فهو مخرج، منتج، كاتب سيناريو، متبرع خيري، وقد يصبح يوما ما سياسياً. وحتى لو لم يكن إلا ممثلا، فليس ذلك سببا لافتراض أنه ليس ذكيا. في الواقع، فأنا أعتقد أنه ربما *يكون* ذكيا جدا، مما يجعل محادثتنا أشد إحباطا.

النقطة المهمة هي أن الـCV غير مهمة ما دام لكلام صاحبها معنى. ولسوء الحظ، فلم يكن أفليك كذلك—ولا حتى كريستوف، وهو فعلا خبير في هذا الشأن، وخصوصا ما يتعلق بمأساة النساء في العالم النامي. إن فشله في الاعتراف والتقدير لبطولة صديقتي أيان حرسي علي يظل عيبا صحفيا وفضيحة خُلُقية (وقد أخبرته بذلك بعد البرنامج).

بعد البرنامج، اتضحت بضعة أمور عن رؤى أفليك وكريستوف. فبدلا من الوثوق بنتائج الاستطلاعات وشهادات الجهاديين والإسلاميين، فهما يثقان بالشعور الذي يحصلان عليه من عشرات المسلمين الذين يعرفانهم شخصيا. وكوسيلة لقياس رأي المسلمين حول العالم، فهذا التقديم جنوني بلا شك. لكنه مفهوم رغم ذلك. فعلى أساس خبرتهما الحياتية، يعتقدان بأن نجاح جماعة مثل داعش، رغم قدرتها على تجنيد الآلاف من الناس من المجتمعات الحرة، لا يعني شيئا عن دور العقائد الإسلامية في إلهام الجهاد العالمي. وبدل ذلك، فهما يتخيلان أن داعش تمثل ضوء جاذبا للسيكوباثيين—حيث تجذب ”شبابا متمردين“ يرغبون بفعل أشياء رهيبة لشخص ما، في مكان ما، وبأية حال. ولسبب غريب ما فإن هؤلاء الأفراد المضطربين لا يمكنهم مقاومة دعوة للسفر إلى صحراء غريبة كي ينالوا امتياز ضرب أعناق الصحفيين وعمال الإغاثة. وأنا في انتظار بند في [الدليل النفسي] DSM-VI يصف هذه الحالة المقلقة.

خلافا لما يظنه العديد من الليبراليين، فإن الصبية الأشرار الذين يصلون إلى سوريا في هذه اللحظة لمشاركة داعش ليسوا جميعا سيكوباثيين، وليسوا ببساطة أفرادا مكتئبين يذهبون للصحراء كي يموتوا. فمعظمهم تحرّكهم معتقداتهم بعمق. وبعضهم يشعر بالتأكيد بأنه نسخة روحية من جيمس بوند، يخوض حربا كونية ضد الشر. وبعد كل شيء، فهم ينشرون دينهم الحق إلى أطراف الحرب—أو يموتون دون ذلك، ويصبحون شهداء، ويعيشون في الجنة للأبد. ويبدو الليبراليون العلمانيون غير قادرين على فهم كم يمكن لهذه الرؤية أن تكون مجزية نفسيا.

كما حاولت أن أوضح في [كتابي الجديد] الاستيقاظ Waking Up، فالعديد من الحالات الإيجابية للعقل، كالنشوة، محايدة أخلاقيا. بمعنى أن ما يهم فعلا هو ما تظن أن الشعور بالنشوة يعنيه. إن كنت تظن أنه يعني أن خالق الكون يجازيك خيرا على تطهير قريتك من النصارى، فأنت مؤهل لداعش. في حين يذهب شباب ملتحون غيرك إلى [مهرجان] الرجل المحترق Burning Man، محيطين أنفسهم بنساء عاريات مطليّات الأجساد، ويشعرون بحالة عقلية مشابهة.

بعد البرنامج، أكملت أنا، كريستوف، أفليك، وماهر هذه المحادثة. وفي نقطة ما، كرر كريستوف ادعاءه أني وماهر قد فشلنا في الاعتراف بوجود كل المسلمين الصالحين الذين ينددون بداعش، مشيرا للوسم #NotInOurName [ليس باسمنا]. ورددت عليه قائلا: ”نعم، أوافقك أن كل إدانة لداعش أمر جيد. ولكن ما الذي تظنه سيحصل لو أحرقنا نسخة من القرآن في حلقة اليوم؟ ستكون هناك أعمال شغب في عشرات البلدان. ستسقط سفارات. وردا على استهانتنا بكتاب، سيخرج ملايين المسلمين للشوارع، وسنقضي باقي حياتنا ونحن نصدّ عنا تهديدات فعلية بالموت. ولكن حين تصلب داعش الناس، تدفن الأطفال أحياء، وتغتصب وتعذب النساء بالآلاف
وكل ذلك باسم الإسلامفالرد هو بضع مظاهرات صغيرة في أوربا ووسم تويتري.“ ولا أظن من القسوة أن أقول أن أفليك وكريستوف لم تكن لديهما إجابة لمّاحة على ذلك. كما لم يتظاهرا بالتشكيك في حقيقة ما قلته.

أعتقد بصدق أن أفليك وكريستوف يضمران خيرا. فهما قلقان جدا من عداء الغرباء في أميركا ومستقبل المغامرات العسكرية القادمة. ولكن ذهنهما مشوش حول الإسلام. فمثل العديد من الليبراليين العلمانيين، يرفضان القبول بالأدلة الوفيرة على أن أعدادا هائلة من المسلمين يعتقدون بأمور خطرة عن المشركين، الردة، الكفر، الجهاد، والشهادة. ولا يعرفون أن هذه العقائد لا جدال فيها في الإسلام، كقيامة يسوع في المسيحية.

لكن آخرين في هذه المجادلة ليسوا بنفس البراءة. فالسبب في محادثتنا على [برنامج] Real Time كان مقابلة مع رضا أصلان على CNN، وبّخ فيها ماهر على عبارات قالها عن الإسلام في الحلقة الماضية. لقد كنت دوما أعتبر أصلان شخصية هزلية. فأفكاره عن الدين عموما كومة من الهراء المتباهي—رغم أنه يتحدث بنفحة من الثقة ربما تُخجِل جنكيز خان في عز سطوته. ولكن في موضوع الإسلام، فقد بدأ أصلان يظهر شرورا أكثر. لا يمكن أن يعتقد بما يقوله، لأن معظم ما يقوله كذبة أو نصف حقيقة وظفت لتضليل جمهور ليبرالي. فلو ادعى أن شيئا ما ليس في القرآن، فيحتمل أنه هناك. لا أعرف ما هي أجندته، عدا ركوب موجة من ندم البيض بين مقابلة وأخرى، لكنه يتلاعب بالانحيازات الليبرالية بهدف إغلاق المحادثة حول موضوعات مهمة. فوفقا لما يعرفه بالتأكيد عن محتوى القرآن وكذلك الحديث، حالة الرأي العام في العالم الإسلامي، معاناة النساء وسائر المجموعات المستلبة، والتأثيرات الواقعية للاعتقادات الدينية العميقة، فخديعته حول هذه الأمور أمر يأباه الذوق في نظري.

كما حاولت أن أوضح في برنامج ماهر، فما نحتاجه هو محادثة صريحة حول الرابط بين الاعتقاد والسلوك. ولا أحد يعاني عواقب ما يعتقده المسلمون ”المتطرفون“ أكثر من سائر المسلمين. فالحرب الأهلية بين السنة والشيعة، قتل المرتدين، اضطهاد الناس—كل هذه الشرور لا علاقة لها بالقصف الأميركي أو المستوطنات الإسرائيلية. نعم، لقد كانت حرب العراق كارثة—كما يشير أفليك وكريستوف. ولكن دعنا نأخذ لحظة لنتصور مدى كآبة الاعتراف بأن العالم سيكون أفضل لو تركنا صدام حسين في السلطة. لقد كان من أشد البشر شرا على الإطلاق، وأمسك ببلد كامل كرهينة. ولكن استبداده كان حائلا أيضا دون حرب دينية بين السنة والشيعة، مذابح المسيحيين، وسائر الأهوال الطائفية. أن القول بأن الأفضل كان ترك صدام حسين وشأنه، يخبرنا بأمور محبطة جدا عن العالم الإسلامي.

مهما كانت فرص إخراج الإسلام من العصور الوسطى، فالأمل ليس في ظلاميين مثل رضا أصلان، بل في إصلاحيين مثل ماجد نواز. إن محك النزاهة الفكرية في هذه النقطة—الذي يفشل فيه العديد من الليبراليين—هو الاعتراف بأن المرء يمكنه رسم خط مستقيم من عقائد معينة في الإسلام نحو التعصب والعنف الذي نشهده في العالم الإسلامي. ونواز يعترف بذلك. لا أرغب بتقديم انطباع عن أنني وإياه ننظر للإسلام بنفس الشكل. في الواقع، فإننا نخوض الآن مساجلة مكتوبة سننشرها ككتاب إلكتروني في الأشهر القادمة—وأنا أستفيد منه الكثير. ولكن نواز يعترف بأن أفق انتشار التشدد في المجتمع الإسلامي يمثل مشكلة هائلة. وخلافا لأصلان، فهو يؤكد أنه يجب على إخوته في الإسلام أن يجدوا طريقة ما لإعادة تفسير الإيمان وإصلاحه. وهو يعتقد بأن الإسلام يملك الموارد الفكرية لفعل ذلك. وآمل بالتأكيد أنه محق. ولكن أمرا واحدا يتضح: يجب إلزام المسلمين بأن يقوموا بإعادة التفسير—ولهذا فنحن في حاجة للمحادثة الجادة.


المصدر: ?Can Liberalism Be Saved From Itself